تنظيم «داعش» يواصل إنتاج «سلاحه المفضل» بوتيرة مثيرة للقلق
من المعروف ان استخدام السيارات المفخخة في حروب العصابات ليس بالتكتيك الجديد. غير ان تنظيم داعش عمد الى نشر واستخدام عدد غير مسبوق من هذه السيارات ضمن عمليات قواته البرية التقليدية بغية الاستيلاء على المدن في العراق وسوريا.
وعلى النقيض من استخدام هذه السيارات كمصائد للخصوم او للاستهداف على قارعة الطريق، عمد تنظيم داعش الى استخدام السيارات المليئة بالمتفجرات والعبوات الناسفة بطريقة تقليدية تشابه استخدام الولايات المتحدة لسلاح جوها، وذلك باعتمادها وسيلة لمهاجمة القوات البرية وفتح نقاط اختراق وسط وحدات مشاة الخصم.
في هذا السياق، يقول لواء مشاة البحرية الاميركية توماس ويدلي الذي يرأس هيئة اركان العمليات الجوية في العراق وسوريا، "لقد برهن هذا السلاح عن فعالية كبيرة، فيما بذلنا نحن جهودا كبيرة في استهداف مصادر هذه السيارات المفخخة وقدرات انتاجها وتحديد مواقعها بغية كسر شوكة وتقدم التنظيم".
ويقول موقع "فايس نيوز" ان "الطبيعة غير المتوازية لهذا التكتيك يمكن ان تكون هائلة لاسيما مع انفاق البنتاغون لما يزيد على 9 ملايين دولار يوميا بغية محاربة هذا التنظيم، الامر الذي يجعل من داعش خصما حقيقيا وكامل الخطورة"، مشيرا إلى أن "داعش بات ينتج هذا السلاح بطريقة مرنة وسرعة مثيرة للقلق مستخدما كل شيء تحت يده ابتداء من مواد الاسمدة الكيمياوية وحتى المتفجرات العسكرية التقليدية. كما ان المساحات الشاسعة التي يسيطر عليها التنظيم تسهل امر اخفاء مصانع انتاج السيارات المفخخة وتلك التي تجمّع القنابل، فضلا عن حقيقة ان العديد من المناطق
تخضم لسيطرة التنظيم تعد مناطق ريفية يسهل فيها الحصول على الاسمدة الكيمياوية التي يمكن تحويلها الى مواد اخرى تستخدم بالتفجير لاحقا. ولنا ان نذكر ان جريدة نيويورك تايمز اوردت مؤخرا ان تنظيم داعش مستمر باستيراد الاسمدة من تركيا الى الان".
واثناء عملية للاستيلاء على مدينة الرمادي غربي العراق، عمد مقاتلو داعش الى استخدام السيارات المفخخة بطريقة ممنهجة لفترة شهرين من الزمن بغية كسر الدفاعات الارضية للقوات الحكومية.
وحسب احد ضباط الشرطة العراقيين الذي تحدث الى موقع "فايس نيوز" قبل سقوط المدينة انه قال "في بعض الاحيان، يفجّر التنظيم المتطرف السيارة المفخخة على مبعدة 100 فقط، واحيانا على مبعدة 50 مترا".
وحسب مسؤولين عراقيين اخرين، فقد وصفوا تفجير داعش لـ3 سيارات مفخخة على الاقل في اليوم الواحد، الامر الذي بات معتادا حسب قولهم. وتقول القوات العراقية انه مع شن تنظيم داعش لحركته الاندفاعية الاخيرة بغية السيطرة على مدينة الرمادي، فإن تلك الحركة تطلبت تفجير اكثر من 30 سيارة مفخخة كان بعضها كبيرا الى درجة تكفي لتسوية احياء سكنية كاملة مع الارض.
كما ان الهجوم تضمن استخدام بلدوزرات مدرعة - مفخخة تمكنت من ازالة الدفاعات الحكومية قبل ان يعمد التنظيم الى تفجيرها لاحقا.
في هذا السياق، يقول مايك ديفيس مؤلف كتاب "عربة بودا: تاريخ استخدام السيارات المفخخة" معلقا "اعتقد ان حركة نمور التاميل كانت اول من دمجت السيارات المفخخة مع هجمات المشاة".
ويضيف قائلا "بالرغم من ان افضل تفجيراتهم ناهزت في قوتها التفجير الانتحاري الذي ضرب القوات الاميركية والفرنسية في لبنان عام 1983، الا ان نخبة هذا التنظيم المعروفة باسم النمور السوداء عمدت الى استخدام هذا التنكيك من خلال سيارات او شاحنات مفخخة بقوة تستخدم لبدء جملة من الهجمات والمعارك، وكما هو الحال مع جماعة طالبان وتنظيم داعش مؤخرا. لكن هجوم الرمادي الاخير كان منسقا بطريقة الصدمة والترويع وفق اطار مختلف كليا".
وبالرغم من عدم وجود احصائية رسمية دقيقة معلنة، الا ان المئات من السيارات المفخخة تم استخدامها ضد اهداف تابعة للحكومة العراقية والقوات الاميركية خلال الفترة ما بين الاعوام 2003-2011، وذلك حينما كان تنظيم القاعدة الذي ولد داعش من رحمه، في طليعة الحركات المتمردة في البلاد. وفي هذه الاثناء، فإن وزارة الدفاع الاميركية تدرس امر الكشف العلني عن الاحصائيات المتعلقة بتلك السيارات المفخخة.
لكن الولايات المتحدة عمدت من جانبها الى نقل صواريخ خاصة مضادة للدبابات الى الحكومة العراقية بغية مواجهة خطر السيارات المفخخة المدرعة التي يواجهها العراقيون الان.
في هذا السياق، يقول بريت مكغورك الذي يشغل منصب المبعوث الاميركي الرئاسي الخاص لمجموعة دول التحالف المناهض لتنظيم داعش، معلقا "ان هذه تمثل قضية تكتيكية، الا اننا عمدنا الى تسريع شحنات الصواريخ المضادة للدبابات بغية ضمان ان يتمكن العراقيون المرابطون في الميدان من حيازة القدرات المطلوبة لمواجهة خيارات داعش العسكرية ممثلة في الهجمات الخطيرة والكبيرة التي ينفذها التنظيم بالسيارات المفخخة".
لكن الخبير العسكري العراقي جميل عبد القادر ابدا رأيا مختلفا حيث قال "ان هذه الذخيرة تعد مفيدة جدا لمواجهة خطر سيارات داعش المفخخة على الخطوط الامامية، غير ان استخدام هذه الصواريخ مستحيل داخل المدن". ويضيف عبد القادر "ان الحديث عن هزيمة قدرة سيارات داعش المفخخة لا يزال مبكرا جدا".
كما ان ديفيس بدا متشككا ازاء كفاءة هذا النوع من الاجراءات المضادة.
ويقول ديفيس معلقا "ليس بوسعك الدفاع ضدهم". ويضيف قائلا "في النهاية، لن يكون بوسعك منع او مواجهة السيارات المفخخة الا عبر منع حركة المرور نهائيا. وبلا شك، فإن من غير الممكن وضع حواجز كونكريتية ونقاط تفتيش في كل مكان".
لكن ذلك يمثل وصفا دقيقا لما بدت عليه العاصمة بغداد خلال السنوات الـ12 الماضية، بحسب موقع "فايس نيوز"، الذي يقول إنه تمت احاطة احياء سكنية كاملة بالحواجز الكونكريتية وترك منفذ واحد للدخول والخروج بغية منع هذا النوع من الهجمات، الامر الذي صنع ذلك التوجه لدى الجنود الاميركيين لفتح النار على السيارات التي تفشل بالتوقف في نقاط التفتيش خلال فترة الاعوام ما بين 2003-2011. وقد صمم ذلك الاجراء بهدف حماية الجنود الاميركيين رغم انه عادة ما كان يتسبب بخسائر في صفوف المدنيين.
كما انه كان من المستحيل وصول سيارة مدنية الى منطقة محاذية لقاعدة اميركية من دون المرور على نقاط تفتيش مركزة. فضلا عن ذلك، فإن المنطقة الدولية المعروفة باسم المنطقة الخضراء التي تضم مقرات البرلمان العراقي ومقرات حكومية اخرى، فضلا عن السفارة الاميركية، انما تعد منطقة محمية ومحصنة بشدة حتى من قبل الانسحاب الاميركي من العراق نهاية العام 2011.
عدا عن ذلك، تم اتخاذ اجراءات مضادة، رغم ان بعضها كان مضحكا، بحسب الموقع. ففي العام 2008، عمدت الحكومة العراقية الى شراء اجهزة متخصصة بالكشف عن كرات لعبة الغولف على انها اجهزة كشف متفجرات. ويقول الموقع إن من الغريب ان هذه الاجهزة المزيفة لا تزال قيد الخدمة الى الان في نقاط التفتيش والسيطرات عبر انحاء العاصمة بغداد، وحتى مع اتهام وادانة الحكومة البريطانية للشخص البريطاني الذي صنع وصدّر هذه الاجهزة للحكومة العراقية. ويقضي هذا الشخص حاليا عقوبة بالسجن 10 سنوات في بريطانيا.
ويقول الموقع ان لهذا النوع من الهجمات تأثير نفسي سيء كما هو متوقع على القوات العراقية، مشيرا إلى أن الهجوم الاخير الذي شنه تنظيم داعش على الرمادي والذي استخدم فيه اكثر من 30 سيارة مفخخة تسبب بدفع القوات العراقية الى الفرار من المدينة.
وحسب احد الجنود الذي يقف في نقطة حراسة في منطقة الكاظمية التي تعرضت للكثير من الهجمات الانتحارية المفخخة انه قال "لقد كانوا يعلمون ان السائقين كانوا انتحاريين في سيارات مفخخة". واضاف الجندي "ان رؤية سيارة مفخخة تتوجه ناحيتي يمثل كابوسا مريعا. وانني سأعمد الى الابتعاد فورا عن مواجهتها".
يقول ذلك الجندي انه شهد بنفسه اثنتين من هذه الهجمات خلال العام الماضي.
ويضيف قائلا "لقد تلقينا الاوامر من قائدنا ان نقوم بأفضل ما لدينا بغية قتل السائق قبل ان يعمد الى تفجير نفسه في السيارة". لكنه عاد ليتساءل "كيف لنا ان نخمن السيارة المفخخة يا ترى؟".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire